مستخدموها يبررون أهميتها بإنجاز مهام العمل والتواصل الإلكتروني
2011-01-17
الدوحة – هدى منير العمر
هناك مشهد تكاد تلاحظه في كل مكان تذهب إليه، لا بل قد يعتبر في الوقت الحالي مشهداً طبيعياً يميز مجموعة من الأشخاص عن غيرهم، وقد يتوسع نطاق هذه المجموعة يوماً بعد يوم، لتضم عددا أكبر من الأشخاص، ومن فئات عمرية متنوعة. واللافت في الأمر أننا قد نكون اليوم ضمن الأشخاص المعلِّقين باشمئزاز على سلوكيات هذه المجموعة اللافتة، لننقلب في اليوم التالي ونصبح عضواً من أعضاء هذه المجموعة المهووسة «بالعالم الآخر» الذي تحمله بين يديها، دون سابق إنذار ولا مقدمات.
بالفعل هو «عالم آخر»، فهذا أقل ما يمكن أن نطلقه في الوقت الحالي على أجهزة الهواتف النقالة الحديثة، والتي يملكها الصغير قبل الكبير، فالهواتف النقالة التي كان يقتصر عملها على «ألو.. مرحبا»، وعلى «أرسل مسج»، ما عادت تلبي حاجات شريحة عريضة من مستخدمي الجوالات.
وفي الوقت الذي يعزو فيه البعض الهوس بهذه الأجهزة «غير العادية» إلى أسباب تتعلق بالتسلية ومواكبة كل ما هو جديد في عالم التكنولوجيا، يرى البعض الآخر أنها أصبحت ضرورة من ضروريات التواصل الاجتماعي، وضرورة من ضروريات إنجاز المهام الوظيفية، وذلك بما تسخّره من خواص وميزات قد لا تتوفر في الهواتف النقالة التقليدية، وأهمها جهازا «البلاك بيري» و «الآي فون»؛ حيث لعبا دوراً بالغاً في تفاقم ظاهرة الإدمان على الأجهزة النقالة، والاعتماد عليها في أداء مهام حياتيه كثيرة وفقاً لمستخدمي الجهازين.
وفي تعليق طريف ذكرته إحدى الأمهات لـ «العرب» حول إدمان أولادها لأجهزة البلاك بيري، قالت أم بشار: «أستغرب هذا الإدمان الجنوني لأجهزة الجوال الحديثة، فأبنائي يكونون كالمجانين في البيت، لدرجة أنهم يأخذون الجهاز معهم لدورة المياه -الله يعزكم- ولا يكفون لحظة واحدة عن استخدامه، فحتى وهم ينزلون من درج البيت، أجد الواحد منهم منشغلا في الضغط عليه، وحينها أتعصب وأقول لهم: لا أدري هل تتواصلون مع أحد السفراء أم الوزراء وتخافون أن يضيع عليكم أمر من أوامرهم؟!».
تواصل اجتماعي
في أحد المؤتمرات الذي كانت تشارك فيه سارة عبدالهادي كمتطوعة، وجدناها تجلس على طاولة تسجيل أسماء الضيوف المشاركين في الندوة واستقبالهم، ورغم تكدس المكان بالمشاركين وحساسية موقعها الذي يتطلب منها وقفه خاصة للترحيب بالضيوف، فإنها كانت تسترق بين الدقيقة والأخرى لحظات «للتكبيس» على لوحة جهازها «الآي فون»، وما إن يهدأ المكان قليلاً، إلا ونجدها تقوقعت على مقعدها بانعزال وواصلت استخدامها لجهازها النقال.
وعندما تحدثت «العرب» إليها حول موضوع إدمان «الجوالات الحديثة»، أفادت عبدالهادي «أكثر ما يجعلني منشغلة بجهازي الآي فون هو التواصل الاجتماعي مع بقية صديقاتي، فيمكن لحاملي الآي فون تحميل برنامج للشات كما هو في البلاك بيري، هذا عدا البرامج الكثيرة التي يمكن تحميلها على الموبايل للاستفادة منها، فمن يستخدم الآي فون سيشعر أنه ما كان يحمل جهازا نقالا من قبل في حياته، فالجوالات القديمة لا تقارن به».
وحول ردها على ما إن كان تواصلها الإلكتروني بالآخرين سيسبب لها عزلة اجتماعية عمن حولها من أسرتها وبقية الناس الذين لا يملكون نفس الجهاز، أجابت «لا أشعر أنه يعزلني عن بقية الناس، وأكتفي بالقول إنه قد يشغلني لبعض الوقت لا أكثر ولا أقل، فميزته بنظري تكمن في تحقيق هذا التواصل وليس قطعه بالآخرين، فغالب صديقاتي أصبحن يملكن نفس جهازي، وبالتالي نحن على تواصل مستمر ونعرف أخبار بعضنا بعضا أكثر من السابق، ففكرته قريبه جداً من فكرة «الفيس بوك» على الإنترنت، والكل يعرف مدى حب الناس للفيس بوك، فطبيعي أن ندمن على هذه الأجهزة الحديثة التي توفر نفس خصال الفيس بوك، وبشكل آني وفعال أكثر، لأن الجهاز النقال يكون بحوزتنا دائماً أكثر من جهاز اللاب توب أو الكمبيوتر الذي يقتصر استخدامنا له فترة تواجدنا في البيت».
«البلاك بيري» وسادة
آمنة المري إحدى أكثر الفتيات إدماناً على الـ«بي.بي» (البلاك بيري كما يطلقون عليه)، وتقتني جهازين منه، وتحرص دوماً على تغيير غطائه الخارجي بألوان مختلفة تتناسب مع مظهرها ولون حقيبتها وحذائها حسب قولها، وتعلق حول ظاهرة إدمانه بالقول «صراحة هو إدمان بالفعل، فأنا شخصياً أستخدمه حتى وأنا نائمة على السرير في الساعات المتأخرة من الليل، وأضعه دائماً تحت وسادتي، وفي البداية اعتبره الناس إدمانا سلبيا بسبب خاصية الشات وما يمكن تناقله من فيديوهات مخلة حسب الضجة التي حدثت، لكن الآن أشعر أنه من الصعب جداً أن ألغي استخدامه من حياتي وأكتفي باستخدام الهواتف التقليدية العادية، رغم أني ما زلت أقتني جوالا من النوع التقليدي، فمن ناحية الجودة والإرسال ما زالت التقليدية أفضل ولا نستغني عنها، لكن لا يمكنني الاكتفاء بجوالي القديم دون البلاك بيري، فأهم ميزاته إمكانية التواصل مع الآخرين، والاستخدام المفتوح للإنترنت أي وقت، وهذا غير موجود في الجوالات القديمة». ورغم أن ما بررته المري ليس مقنعاً لذلك الحد بالنسبة لبعض الناس كما تقول، فإنها في الوقت عينه تؤكد على أن الجميع يعترضون في بادئ الأمر على استخدام «البلاك بيري»، لكن سرعان ما يبدلون نظرتهم بمجرد شرائه والتعود على استخدامه لمزاياه الكثيرة التي لا يمكن أن تتواجد في الجوالات التقليدية.
الأجهزة الحديثة تخدم العمل
يبدو أن ما نوهت عليه المري صحيحاً بخصوص أن من سيستخدم «البلاك بيري» سيعي حينها أنه كان مخطئاً في عدم استخدامه من قبل، فمحمد.س الذي يعمل في إحدى المؤسسات الإعلامية -فضل عدم ذكر اسمها- أكد أنه يشعر بالسلاسة في أداء مهامه بعد شراء هذه النوع من الأجهزة النقالة الحديثة، مما جعله أكثر اعتماداً عليه لأوقات كثيرة لا تقارن بأوقات استخدام الهاتف التقليدي.
محمد الذي اشترى جهاز «بلاك بيري» منذ شهرين فقط يقول «في بادئ الأمر لم أكن مقتنعاً به من ناحية الشكل ولا حتى المضمون، لكن ما جعلني أشتريه هو طبيعة عملنا التي تتطلب منا استخداما دائما للإنترنت، وبالفعل بعد استخدامي له سهل علي كثيراً، ولا أنكر أنني أدمنته، لكن لا أعتبر نفسي أدمنته بطريقة سلبية لأنني أضيع وقتا مفيدا في استخدامه، و%90 من استخداماتي له تصب في خدمة العمل».
ويبرر محمد أيضاً سبب إدمانه للجهاز النقال الحديث بأن طبيعة عمله تفرض عليه ذلك، ويوضح: «أصبحنا في العمل نشكل جروبات (مجموعات) خاصة بنا على البلاك بيري أو الآي فون، وذلك لتسهيل أعمالنا ومعرفة آخر المستجدات من خلال مجموعتنا المشتركة، وبدأنا بالتقليل من استخدام البريد الإلكتروني في العمل، ونستخدمه فقط في المسائل الرسمية التي تحتاج لتوثيق، أما بقية المهام الفرعية ففي الغالب نتبادلها على الأجهزة وتحديداً خارج ساعات العمل».